Our Blog

الأسرار.. حذر الإسلام من إفشائها وقل حافظوها



 أبي هريرة رضي الله عنه : ( آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خانالأسرار نوعان: أحدهما: ما يبوح به إنسان لآخر من حديث يُستكتم، وذلك إما تصريحا كأن يقول له: اكتم ما أقول لك، وإما حالاً كأن يتحرى القائل حال انفراده بمن يتحدث معه، أو يخفي حديثه عن بقية مجالسيهِ. في هذا قيل: إذا حدثك إنسان بحديث فهو أمانة. أما النوع الثاني من الأسرار فهو أن يكون حديثَ نفسٍ بما يستحي الإنسان من إشاعته، أو أمرًا ما يريد فعله. والكتمان في النوعيين محمود؛ فهو في الأول نوعٌ من الوفاء، وفي الثاني نوعٌ من الحزم والاحتياط والستر.


إنها جبل ثقيل
يجثم فوق القلوب ويولد الهموم، إنها أسررنا التي نبحث دائما عن صديق أو قريب نثق به حتى نبوح بما يثقل كاهلنا ونخفف عنا ثقل هذا الجبل، نخرج ما في قلبوبنا دون أن يغير نظرته تجاهنا أو أن يفشي سرنا لأحد.



قيل قديما: إن أمناء الأسرار أقل وجودا من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار؛ لأن أحراز الأموال منيعة بالأبواب والأقفال، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق. إن الناس يخالط بعضهم بعضًا ويفضي بعضهم إلى بعض بما قد يكون سرًا، وإن من الخيانة أن يُستأمن المرء على سر فيذيعه وينشره، ولو إلى واحد فقط من الناس، فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة".



ولأن الكرام ينأون بأنفسهم عن أخلاق اللئام فقد رأينا هؤلاء الكرام يربون أبناءهم على حفظ الأسرار وعدم إشاعتها، فهاهي أم أنس بن مالك رضي الله عنها يتأخر عليها ولدها أنس فتسأله: "ما حَبَسَك؟ قال بعثني رسول الله لحاجة. قالت ما حاجته؟ قال: إنها سر. قالت: لا تحدثنَّ بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا".

: إن حفظ الأسرار وكتمانها من الأخلاق العظيمة التي تُعْلِي من شيم أصحابها وشمائل صفاتهم، فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم جميعاً- مضرب المثل في حفظ الأسرار التي يؤتمنون عليها.
فهذا حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- أمين سِرِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنافقين، وكان يقال له: صاحب السِّر الذي لا يعلمه أحدٌ غيره16.وذات يوم أسرَّ معاوية رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة حديثًا فقال الوليد لأبيه: يا أبتي إن أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به، فإن من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال الوليد: يا أبتي وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني، ولكن لا أحب أن تُذلِّل لسانك بأحاديث السر. قال الوليد: فأتيت معاوية رضي الله عنه فأخبرته، فقال: يا وليد أعتقك أخي من رق الخطأ.

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر حين تَأَيَّمَتْ بنته حفصة -رضي الله عنها-، قال: "أتيتُ عثمان بن عفان، فَعَرَضْتُ عليه حَفْصَةَ، فقال: سأنظر في أمري. فلبثت لياليَ ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوجَ يومي هذا. قال عمر: فلقيتُ أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئتَ زَوَّجْتُكَ حفصةَ بنتَ عمرَ، فَصَمَتَ أبو بكرٍ، فلم يرجعْ إليَّ شيئاً، وكنتُ أَوْجَدَ عليهِ مني على عثمانَ، فلبثتُ لياليَ، ثم خطبها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنكحتُها إياه. فلقيني أبو بكر فقال: لقد وَجَدْتَ عليَّ حينَ عَرَضْتَ عليَّ حفصةَ فلم أرجعْ إليكَ شيئاً؟ قال عمر: قلت: نعم. قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجعَ إليكَ فيما عرضتَ عليّ إلاَّ أنِّي كنتُ علمتُ أَنَّ رسول -صلى الله عليه وسلم- قد ذكرها، فلم أكنْ لأفْشِيَ سِرَّ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولو تركَهَا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم قَبِلْتُهَا"17.وهذه فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها- تضرب لنا مثالاً في أمانة حفظ السِّر، كما روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- : "إِنَّا كُنَّا أزواجِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- عنده جميعاً لم تغادرْ منا واحدة، فأقبلت فاطمة -رضي الله عنها- تمشي ما تُخطئ مِشيتَهَا من مِشيةِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فلما رآها رحَّب، قال: مرحباً بابنتي. ثم أجلسَها عن يمينه أو عن شماله ثم سَارَّهَا، فَبَكَت بُكاءً شديداً، فلما رأى حُزْنَها سَارَّهَا الثانية، فإذا هي تضحك. فقلت لها: أنا من نسائه خَصَّك رسول الله بالسِّرِ من بيننا ثم أنت تبكين! فلما قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألتُها عَمَّا سَارَّهَا؟ قالت: ما كُنتُ لأفشي على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سِرَّهُ. فلما توفي قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني! قالت: أما الآن فنعم. فأخبرتني قالت: أما حين سارَّني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل -عليه السلام- كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعمَ السلفُ أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارَّني بالثانية، قال: يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة!"18.
وأن كل امرئ عهد إليه بسِرٍّ يجب أن يحفظه؛ سواء حاكماً أو طبيباً أو موظفاً أو عاملاً..، وكما قيل: "قلوب العقلاء حصون الأسرار أهمية حفظ الاسرار في الإسلام

إنَّ التشريع الإسلامي؛ المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، أدرك أهمية حفظ الأسرار وكتمانها في واقع المسلمين، وضرورة إيلائه اهتماماً بالغاً وحرصا مستمرا وعناية فائقة من كل جوانبه وفي مختلف مواضيعه، ولا فرق في ذلك كلِّه بين القادة والجند، أو بين الرؤساء والمرؤوسين. ومن أجل ذلك جاء التحذير الشديد من إفشاء السر، وجاء الأمر بحفظه وصيانته، ففي قوله تعالى على لسان يعقوب لابنه يوسف حينما قصَّ عليه رؤياه بسجود الكواكب والشمس له: "يا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ". (يوسف:5) .



ومن السنة النبوية، ما رُوي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : (إنَّ العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس، يهوى بها أبعد ما بين السماء والأرض، وإن المرء ليزل على لسانه، أشد ما يزل على قدميه).إنَّ الأمين على السِّر أقوى وأكمل إيماناً من الأمين على المال؛ لأنَّ العفَّة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار، نجد: (استعينوا على قضاء حاجاتكم بالكتمان، فإنَّ كلَّ ذي نعمة محسود). قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (سرّك أسيرك، فإن تكلمت به صرت أسيره)، وقال عتبة لابنه الوليد : (من كتم سرَّه كان الخيار بيده، ومن أفشاه كان الخيار عليه). ولأنَّ الإنسان قد يذيع سر نفسه بمبادرة لسانه وسقط كلامه، ويشح باليسير من ماله حفظاً له وضناً به، ولهذا كان أمناء الأسرار أشد تعذراً، وأقل وجوداً من أمناء الموال، وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار لأنَّ إحراز الأموال منيعة وإحراز الأسرار بارزة ، يذيعها لسان ناطق ويشيعها كلام سابق. والذي يحفظ السِّرَّ رجلُ قويُّ الإيمان والإرادة ، صلبُ العزيمة استطاعَ أن يجاهد نفسه ويقهر شيطانه، ومن هنا يمكن للإنسان أن يأنس به ويستريح إليه في صداقة أو معاملة

هناك تعليق واحد:

  1. بسم الله ما شاء الله جزاك الله خير استاذ محمد وبارك لك

    ردحذف

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.