Our Blog

فضل الاشهر الحرم




الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوَ العباد أيُّهُمْ أحسنُ عملاً، وأنعم عليهم بمزيد النعم كرماً منه وفضلاً، لا يشغله مخلوقٌ عن مخلوقٍ، ولا طالبٌ ولا مطلوب، سبحانه.. وليُّ النعم وجاعل المسلمين خير الناس وأكرم الأمم، لا إله إلا هو وهو على كل شيءٍ قديـر.



وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، جعل العمل الصالح وسيلة العباد إلي الفلاح، ودليل الهداية وعنوان الصلاح.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحة تنفعنا بين يدي الله تعالى يوم القيامة حتى تبيض منا الوجوه وتُرْفَعُ الدرجات، وفي مقام الأمر دَرَجَ كلُّ الخلق حتى الأنبياء، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾، وجعل الله تعالى العمل الصالح دلالةَ إيمانٍ وأقرنه به عند ذكره في كتابه فلا يُذْكَرُ الإيمانُ مرةً إلا ومعه العمل الصالح  لأنه غنيمة العمر وجوهر المعنى من سبب الحياة.

أيها المؤمنون:
إن العمل الصالح يتميز خلال الأشهر الحرم _ وهي شهر الله المحرم ورجب المعظم  وذو القعدة وذو الحجة - بمذاقٍ أكثرَ طيباً،  لأن الأجر فيها مضاعفٌ والثمنَ أكثر والعطاءَ من الله تعالى فيه غَزِيرٌ، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ ، وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بيان ذلك: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ) 

وقد حرم الله تعالى هذه الشهور لأسبابٍ من أهمها في ظرفنا الآنيِّ أن يتفرغ المؤمنون للمزيد من صور العبادة الموسميَّةِ التي لا يجوز أن تفوتهم، ولهذا نهى الله تعالى عن تحليل الشهر الحرام، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ ﴾ 

بياناتٌ هاديةٌ:
فأما شهر المحرم فقد حرمه الخلق بتحريم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم له ليأمنوا على نفوسهم الطريق في الرجعة من الحج، وهو الشهر المخصص يالإضافة إلى الله تعالى كما قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ: وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهرٍ مِن الشُّهُور إِلَى اللَّه – تَعَالَى- عَن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا شَهر اللَّه المُحَرَّم، ولما كان أولَ شهورِ السنة فقد أُضيفتْ إليه صفة تخصيصٍ معيَّنةٍ وأشهر ما يميزه أنه شهرٌ حرامٌ ولذلك سمي المحرم.

وأشهر ما يميز شهر المحرم مع غيره من بقية الأشهر في شأن العبادة الصوم، فقد استحبَّ فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كثرةَ الصيامِ على جهة النافلة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ ) 

ومن أيام الله في شهر المحرم التي يُستَحَبُّ صيامها على جهة التأكيد يوم عاشوراء، فقد أكدَّ صيامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث عن ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما قال: ( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ ) ، والعلة التي من أجلها ذلك هو طلب المغفرة لذنوبِ عامٍ قد مضى، فعن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) .

والإهتمامِ بصيامه مبنيٌّ على قاعدةٍ دينيةٍ وله في عمقِ التاريخ مع الأنبياء الكرام أفضل الذكرى، فهو اليوم الذي نجى الله تعالى فيه موسى من الغرق كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد يهودَ يصومون يوم عاشوراء فقال: ما هذا فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ يوم نجى الله موسى وأغرق آل فرعون فصامه موسى شكراً قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أولى بموسى وأحق بصيامه فصامه وأمر بصيامه ) 

وعلى هذا سار أصحابه الكرام يصومون يوم عاشوراء ويأمرون أهليهم وحتى الصبيان بصيامه، بل ويحتالون عليهم لعلمهم عِظَمَ الأجرِ، فعن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله تعالى عنها قالت: (أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم  قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّمُ صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار ) 

ولا يخفى عظيم الأجر على التعبد ببقية صور العبادة في شهر الله المحرم.


وأما شهر رجب فهو من الشهور الكريمة عند الله ولذلك كان اسمه "رجب " من الترجيب أي التعظيم، ومن أسمائه "رجب الأصم" لأن القوم لما كانوا يعظمونه في الجاهلية ويتوقفون عن التقاتل فكانت تسكتُ عن الآذان أصواتُ السيوف، ومن أسمائه " رجب الفرد" لأنه كان وحده حراماً يبن شهريْن حلاليْن، وقد اختلف أهل الجاهلية قبل الإسلام في تحديده تبعاً لهواهم وعلى حسب انتصارهم أو هزيمتهم، كما قال الله تعالى: ﴿ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ﴾  فحدده النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كما مر في الحديث " ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ".

وورد عن  النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه كان  يدعو بهذا الدعاء إذا أطل عليهم هلال شهر رجب (: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) ضعيف للعلم.

وكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يصوم كثيراً من رجب، كما جاء عن سعيد بن جبيرٍ أنه سئل عن صوم رجب ؟ وهم يومئذٍ في رجب فقال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر. ويفطر حتى نقول: لا يصوم )  ولكن الأمر لم يكن على إتمام الشهر كله مثل رمضان، فقد جاء في وصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم للباهلي الذي حاوره حين قال له حسب رواية أبي داود: ( قال: صم من الحرم واترك ).

ولما سألت أسماء رضي الله تعالى عنها عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن صيام شهر رجب كله رد على سؤالها بأن من يصومه كله كمن يصوم الأبد، والرواية لعبد الله بن كيسان مولى أسماء قال: ( أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر. فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة: العَلَم في الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله. فقال لي عبد الله: أما ما ذكرت من رجب، فكيف بمن يصوم الأبد. وأما ما ذكرت من العَلَمِ في الثوب، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إنما يلبس الحرير من لا خلاق له)) فخفت أن يكون العلم منه. وأما ميثرة الأرجوان، فهذه ميثرة عبد الله، فإذا هي أرجوان. فرجعت إلى أسماء فخبرتها فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت إلى جبة طيالسة كسروانية. لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفين بالديباج  فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت. فلما قبضت قبضتها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها. فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها ).

وجاء من سيرة عمر بن الخطاب

وفيه يستحب الإعتمار فقد اعتمر فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فعن أنس بن مالكٍ (رضى الله عنه) قال: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر، كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت مع حجته: عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته)


وأما ذو الحجة فهو أيام الحج وأركانه وموسمه الأعظم من التروية إلى عرفه ويوم النحر والتشريق، وفيه الإحرام والطواف والسعي والمبيت والوقوف والحلق والهدي والدعاء والإنفاق، ولكلٍ منها معلمٌ في التوجيه والأخذ والترك، قد اجتمع في هذه الأيام ما لم يجتمع في العام من سواها لراغبٍ في الخير من مطمعٍ، ولهذا فقد أحاطت الشريعة هذه العبادات بالتوجيه الممعن في الإحتياط عند النسيان أو مظنة الخروج عن المأمور به.

وحتى من يقطنون ديارهم  ولم يحجوا كانت لهم من مراسيم العبادة ما يتفق مع حالهم، واسمع إلى ما ترويه أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا، حتى يضحي)  إضافةً إلى أن الإسلام قد أحاط الأضاحي وصلاة العيد والأيام العشر بمزيد الإهتمام ببيان الفضل.

بركات العمل الصالح:
والعمل الصالح هو زاد المسير إلى الله تعالى في هذه الرحلة الدنيوية العاجلة على العموم حتى يصل المؤمن إلى رضوان ربه ورحمته ويبقى عمله عند الله مذخورٌ،ويزيد الأجر إذا كان في شهرٍ قد حرمه الله تعالى، قال الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ وأصحاب العمل الصالح هم ورثة النعيم المقيم في الجنة، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾  وقال الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ .

وعندما يدخل المؤمنون الجنة بعملهم الصالح فلهم عند الله أعلى الدرجات، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى   وعندئذ ٍ، يتقلبون بين أصناف النعيم الذي لا ينفد ويتقلدون أبهى الحلل، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ  

وفي الدنيا والآخرة سيجد أهل العمل الصالح في الأرض الود الجميل في القلوب جزاءً بعملهم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾ ، وقد وعدهم الله تعالى بالتمكين والنصر والأمن والإستخلاف في الأرض، قال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ 

فلا غرو ؛ أن لا يتساوى أهل العمل الصالح والطالح: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾  ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ 

وفي الحديث الشهير عن أهل الغار علمنا النبي المختار صلى الله عليه وسلم أن صالح الأعمال ينقذ من المهالك ويقي النفس شرورها وغوائلها ويرتفع بها إلى درجاتٍ تنقطع فيها الفواصل الفارقة بين بني آدم والملائكة، وجلَّى لنا ذلك في صورٍ ثلاث تجمع بين بر الوالدين ونقاء العرض من الخنا وطهارة اليد من المال الحرام وكلها من أَجَلِّ الأعمال الصالحة.

والعمل الصالح هو وظيفة المؤمن الذي لا يكاد يفرغ من عملٍ ويحلق به إلى أجواز الفضاء حتى يشرع في عملٍ آخر مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ ، فالمؤمن على طول حياته لا ينفك من العمل الصالح الذي هو قرين الإيمان برب الأكوان، فلا إيمان لمن لا عمل له وآيات القرآن ما فتأت تعلمنا على الدوام أن الإيمان والعمل الصالح قرينان لا ينفكان.

من صور العمل النافع:
وعلى المسلم أن لا يكسل أبداً عن العمل الصالح هذه الأيام وأن يغتنم هذه الفرصة المواتية للتخير من صنوف العمل الصالح في الأشهر الحرم والتي منها على سبيل المثال:
المحافظة الصارمة على صلاة الجماعة لأن الأجر فيها أضعاف صلاة الذين يصلون فرادى وفي ذلك قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ) ، فهذه المحافظة على أمانة الجماعة عملٌ يستحق الإجتهاد من صاحبه إن ألفى من نفسه تقصيراً في حضور الجماعات في المساجد، خصوصاً وأن الوعد بالزيادة في الحسنات أمرٌ يجلله العموم فما بالنا بأيام الأشهر الحرم التي يضاعف الله تعالى فيها أجور العمل الصالح؟

فليحاول المسلم أن يلتزم بالجماعات فإن الأجرَ يستحق النهوض وعدمَ القعود، والتكليف غير مرهقٍ ولا صعبٍ إلا على من نعتهم الكتاب العزيز بالمنافقين، قال الله تعالى:﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾  فهل يرضى مؤمنٌ لنفسه أن يكون في عداد المنافقين؟!.. ويغرى المؤمن ببذل الجهد في طريق الجدِّ للمحافظة على الصلاة في جماعات المساجد ما رصده النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من طيوبِ الأجورِ في مجرد الخطوات لحضور الجماعات، فعن أبي هريرة (رضى الله عنه) أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ " قالوا: بلى. يا رسول الله ! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.. فذلكم الرباط )

الصيام الذي هو من أجلِّ القربات، وهو سرٌ بين العبد وربه ولذلك كان أجره غير محدد بأضعافٍ معينةٍ كما أخبرنا القرآن والسنة عن الأجور التي تتضاعف إلى عشر أمثالها أو أكثر، ولهذا قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)  ومن المعروف أن الخير الذي ينتظر الصائمين لا حدود لذكره ولا لتخيله، ولكن أجره يزيد في الأشهر الحرم، وقد وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجد في نفسه طاقةً على الصيام، فقد روي أن رجلاً باهلياً ( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته فقال: يا رسول الله أما تعرفني قال ومن أنت ؟ قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول قال فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة ؟ قال: ما أكلت طعاماً إلا بليلٍ منذ فارقتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم عذبت نفسك ثم قال: صم شهر الصبر ويوما من كل شهر، قال: زدني فإن بي قوة،قال صمْ يوميْن قال زدني قال صم ثلاثة أيام قال زدني قال صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك وقال بأصابعه الثلاثة فضمَّها ثم أرسلها )

ويزيد الأجر كذلك إذا كان الصيام في الصيف الذي تزداد فيه حرارة الجو، ولهذا ( كان الصديق أبو بكرٍ رضي الله تعالى عنه يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء ، ووصى عمر بن الخطاب ابنه عبد الله عند موته فقال: عليك بخصال الإيمان وسمى أولها الصيام في شدة الحر، ولهذا كان ابن عمر رضي الله عنه يصوم تطوعاً فيغشى عليه فلا يفطر، وكان معاذ بن جبلٍ رضي الله تعالى عنه يتأسف على ما يفوته من ظمأ الهواجر، وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى يصوم حتى يكاد يغمى عليه فيمسح وجهه بالماء، وكان أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه يقول: ( لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة )

ومما يُروى عن الحجاج بن يوسف الثقفي: أنه نزل في بعض أسفاره بماءٍ بين مكة والمدينة فدعا بغذائه، ورأى أعرابياًّ فدعاه إلى الغذاء معه، فقال: دعاني من هو خيرٌ منك فأجبته، قال: ومن هو؟ قال: الله تعالى دعاني إلى الصيام فصمت، قال: في هذا الحر الشديد ؟ قال: نعم، صمت ليومٍ أشد منه حراَّ، قال: فأفطر اليوم وصم غداً، قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غدٍ، قال: ليس ذلك إليَّ، فقال: فكيف تسألني  عاجلاً بآجلٍ لا تقدر عليه ؟

ومن جليل الأعمال الصالحة هذه الأيام الصدقة، وهي في ذاتها دليلُ هدايةٍ قلبية وعمليةٍ للمؤمنين، قال الله تعالى:﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ، وقال عنها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:(صدقة السر تطفئ غضب الرب ) .

إنها لصورٌ من الطاعات التي تبيض الوجوه يوم العرض على رب العباد وقد نال كل امرئٍ من درجات الإكرام أو المهانة ما يستحق، وعلى هذا فالدعوة إلى الخير وعمله باقية قائمة إذ الدنيا لا زالت في زمن الإختيار

ونسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل الصالح والغنائم الباردة وأن يثيبنا خير الثواب وعظيم الجزاء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.