Our Blog

محمد نبي الرحمه


محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإنسانية
الحمد لله فاطر السماوات والأرضين، الذي تكفل لنا بحفظ الملة والدين، جبار السماوات والأرض القوي المتين، أرسل لنا خير الثقلين وخير خلقه أجمعين، الذي لقبه أهل الكفر أنفسهم بالصادق الأمين، صاحب الأخلاق العلية والأنوار البهية، إمام النبيين والمرسلين، وصاحب لواء الحمد الذي به يكشف عن البشرية في يوم الدين، أرسله ربه رحمة للعالمين وهادياً للمتقين وإماماً للصالحين، ومكن له في ربوع الأرض مشارقها ومغاربها ليبلغ هذا الدين، فسارت دعوته إلى جميع الأقطار، وبلغ الدين بإذن ربه ما بلغ الليل والنهار، وما ترك بيت مدرٍ ولا وبر إلا دخلته بعز عزيز أو بذل ذليل، وستبقى طائفة يدافعون عنه وعن شريعته إلى يوم الدين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم ولا من تكالب عليهم من الإنس والجن مجتمعين، واختار له خير صحبة على مر الدهور والعصور والسنين، فأحبوه من كل قلوبهم وقدموه على الأموال والأنفس والبنين، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين وعلى أصحابه الطاهرين الغر الميامين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، أما بعد:

 صفة نبي الإنسانية الخَلقية والخُلقية

عباد الله: لقد أحسن الله عز وجل لنبينا صلى الله عليه وسلم الخَلْق والخُلُق، بل وأكمل له المحاسن خَلْقاً وخُلُقاً، فكان النبي صلى الله عليه وسلم عجيبة من عجائب الكون، وآية من آيات الله تبارك وتعالى، كان أحسن الناس وجهاً، وكان إذا سر وسعد استنار وجهه كأنه فلقة قمر! بل كان صلى الله عليه وسلم إذا غضب يحمر وجهه، حتى تشعر وكأنك قد فقأت في وجهه حب الرمان، صلى الله عليه وسلم.
بل كان أبيض مليحاً كأنما صيغ من فضه، كانت لحية الحبيب صلى الله عليه وسلم تملأ صدره، كان كث اللحية، وكان واسع الصدر عظيم المنكبين، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم كأن النور يخرج من بين ثناياه صلى الله عليه وسلم.
يقول سيدنا علي رضوان الله عليه، وهو الذي تربى في حجره: (والله لم أر قبله ولا بعده أحسن منه) ، عليه الصلاة والسلام، وانظر إلى ما يقول سيدنا البراء بن عازب، والحديث في الصحيحين: (ما رأيت من ذي لمة -اللمة: بكسر اللام وتشديد الميم، هو الشعر الذي يجاوز شحمة الأذنين- في حُلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، ويقول أبو هريرة رضوان الله عليه -والحديث في مسند أحمد وسنن الترمذي بسند صحيح -: (والله ما رأيت أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه) أتمنى أن نعيش في هذه اللحظات مع النبي عليه الصلاة والسلام، وفي لفظ: (إذا نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إن الشمس طالعة) ، الله! وانظر إلى التعبير الجميل، والوصف البديع الذي يصف به سيدنا أنس خادم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصفه وصف محب لحبيبه، والحديث في الصحيحين، ماذا قال؟ قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين -أي: أنه كان مع النبي عليه الصلاة والسلام ليلاً ونهار، إلا في الأوقات الخاصة به عليه الصلاة والسلام- فما قال لي: أف قط، وما قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟ وما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله، وما شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب من ريح رسول الله) ، بأبي هو وأمي وروحي!.
يغنيك عن كل مدح مدح خالقه ... واقرأ بربك مبدأ سورة القلم
شهم تشيد به الدنيا برمتها ... على المنائر من عرب ومن عجم
أحيا بك الله أرواحا قد اندثرت ... في تربة الوهم بين الكأس والصنم
نفضت عنها غبار الذل فاتقدت ... وأبدعت وروت ما قلت للأمم
عباد الله: إنَّ عادة الكفر والكافرين لن يرضيهم نبي ولن ترضيهم ملة أو دين، ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم لكفار قريش حين دخل مكة فاتحا - بعد أن نصره الله عليهم - اذهبوا فأنتم الطلقاء، وعندما آذاه أهل الطائف وطردوه وسخروا به وانتقصوه صلى الله عليه وسلم أبى أن يحل بهم العذاب، ومنع ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين , وقال صلى الله عليه وسلم له: لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا، وقد حدث ذلك، كما أنه صلى الله عليه وسلم عفى عن كعب بن زهير رضي الله عنه بعد أن أهدر دمه والقصص في عفوه وتجاوزه عن المسيء عديدة وكثيرة -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: فإنسانيته صلى الله عليه وسلم أكبر من أن يشار إليها، وأكثر من أن تعدد مواقفها، وقد استلهم ذلك من ربه الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى الذي أودع في قلب نبيه صلى الله عليه وسلم كل معاني الشفقة والإنسانية التي لا توجد في مخلوق سواه {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4].
إننا ونحن نقرأ سيرته صلى الله عليه يجب علينا أن نحتذي خطاه ونترسم منهجه حتى يتسنى لنا العيش الصالح والطريق القويم المستقيم الذي يجعلنا قدوة لغيرنا كما هو قدوتنا صلى الله عليه وسلم، بل إنه حتى الكافر المنصف والمحايد ليعجب بشخصيته صلى الله عليه وسلم، ويقتدي بها، ولذلك كان الأديب الإنجليزي العالمي (برنارد شو) معجبا ومغرما بشخصيته صلى الله عليه وسلم، ومولعا بكفاحه البطولي في سبيل نصرة دينه وإعلاء كلمة ربه، فيقول: قد درست الدين الإسلامي , وشخصية محمد تلك الشخصية العظيمة اللامعة , فوجدت محمدا بعيدا عما يلحقونه به من التهم, ويجب أن يسمى في الحقيقة مخلص الإنسانية ومنقذها والحق ما شهدت به الأعداء.
إنسانية ورحمة النبي صلى الله عليه وسلم
عباد الله: نحن مشتاقون في الحقيقة إلى الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصًا الكلام عن إنسانيته، وهذا الزمان قد أصبح العالم فيه مادياً وقاسياً وظالماً، فنحن محتاجون إلى الرحمة، فكلنا محتاجون إليها، فليتنا نسمع شيء عن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم وإنسانيته.
عبد الله انظر إلى إنسانيته ورحمته بالأمة عليه الصلاة والسلام: النبي عليه الصلاة والسلام جلس يوماً فقرأ قول الله تبارك وتعالى في سورة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:36] ، تأمل في كلام سيدنا الخليل، هذا كلام خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، يقول: (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس) ، يعني: الأصنام والآلهة المكذوبة المدعاة، (فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني) لم يقل: فانتقم منه فأهلكه، بل قال: (فإنك غفور رحيم)، (فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية في حق خليل الله إبراهيم، وقرأ قول الله في نبيه عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] ، بكى، فقال الله عز وجل لجبريل عليه السلام: يا جبريل! انزل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فسله: ما الذي يبكيك؟ فنزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: ما الذي يبكيك؟! فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: أمتي! أمتي! يا جبريل، أمتي! أمتي! يا جبريل، فصعد جبريل إلى الملك الجليل، فقال: يبكي على أمته -وهو أعلم جل جلاله- فقال الله تبارك وتعالى لجبريل: انزل وقل لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) فوالله ما كرمت هذه الأمة إلَّا لكرامة الله للمصطفى.
عباد الله: قال الشاعر: ومما زادني فخراً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا (انزل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) ولذلك روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة مستجابة) ، أي: كل نبي له دعوة، وعده الله تبارك وتعالى أن يستجيبها، (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته إلا أنا، فإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً).
صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة
عباد الله: تأمَّلوا وانتبهوا لقي عطاء بن يسار -كما في صحيح مسلم- عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال له: (أخبرني بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة) ؛ لأن عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بشر بنبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وكذلك نبي الله موسى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف:6].
فـ عبد الله بن عمرو رضوان الله عليه يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفس صفته التي وردت في التوراة: كتاب موسى، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فقال عطاء بن يسار: (صف لي رسول الله بصفته التي وصف بها في التوراة، فقال عبد الله بن عمرو: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، بل يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، فيقول: لا إله إلا الله، حتى يفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً)، فأنظروا معاشر المسلمين إلى هذه الصفات التي هي بقايا حق مما ورد عند القوم هدانا وهداهم الله وردنا ووردهم إلى الصواب.
النبي عليه الصلاة والسلام يسبق حلمه غضبه
عباد الله: زيد بن سعنة كان حبراً مثل عبد الله بن سلام، عرف أوصاف النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (والله ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد رأيته في محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنني لم أعرف من العلامات علامتين: الأولى: يسبق حلمه جهله، والثانية: لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً) يعني: حلمه أسبق، ولو جهل عليه ازداد بهذه الجهالة حلماً، قال: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب، فاستوقفه رجل، فقال: يا رسول الله! إن قومي من بني فلان في قرية كذا قد دخلوا الإسلام، وقد وقع بهم شدة، وكنت قد وعدتهم إن دخلوا في الإسلام أن يأتيهم رزقهم رغداً، وأخشى اليوم أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا في الإسلام طمعاً، فإن رأيت أن تغيثهم بشيء من المال فعلت، وجزاك الله خيراً، فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام إلى علي وكأنه يريد أن يسأله عن مال، فقال علي: والله ما بقي منه شيء يا رسول الله.
قال زيد بن سعنة: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا محمد! بعني تمراً معلوماً في حائط بني فلان إلى أجلٍ معلوم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسم حائط بني فلان، قال: قبلت، قال: فأعطيت النبي ثمانين مثقال من ذهب، فدفعها كلها إلى هذا الرجل، وقال: أغث به قومك، وانطلق، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يصلي على جنازة، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فجلس إلى جوار جدار في المدينة من شدة الحر، قال زيد بن سعنة: فانطلقت إليه وأنا مغضب، وأخذت النبي من مجامع ثوبه، وقلت له: أدِ ما عليك من حق يا محمد، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب إلا مطلاً يعني: في سداد الحق، تصور هذا المشهد وسط الصحابة! فانقض عمر رضوان الله عليه، وقال: يا عدو الله! تقول هذا لرسول الله، وتفعل به ما أرى؟! والله لولا أني أخشى غضبه لضربت رأسك بسيفي هذا، فماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: يا عمر! والله لقد كان من الواجب عليك أن تأمرني بأداء الحق، وأن تأمره بحسن الطلب، خذه يا عمر فأعطه حقه، وزده عشرين صاعاً من تمرٍ جزاء ما روعته، فأخذه عمر رضوان الله عليه فأعطاه حقه وزاده عشرين صاعاً من تمر؛ فقال له زيد بن سعنة: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله أن أدفعها لك جزاء ما روعتك، قال له: ألا تعرفني يا عمر؟ قال: لا أعرفك، قال: أنا زيد بن سعنة، قال: حبر اليهود؟ قال: نعم، قال: وما الذي حملك أن تفعل برسول الله ما فعلت، وأن تقول له ما قلت؟ قال: يا عمر لقد نظرت في علامات النبوة؛ فوجدت كل العلامات فيه، لكنني أردت أن أختبر فيه هاتين العلامتين: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهالة عليه إلا حلماً، وهأنذا قد جربتهما اليوم فيه؛ فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصدق بشطر ماله للفقراء والمساكين، وجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد معه معظم الغزوات، وقتل شهيداً مقبلاً غير مدبر في غزوة تبوك).
ضرورة جعل أخلاقه صلى الله عليه وسلم منهج حياة

عباد الله: إنَّ مشاهد السيرة مشاهد رقراقة، وأنا لا أسوقها لمجرد الاستمتاع السلبي؛ لأنه يؤلمني جداً أن كثيراً من أحبابنا وإخواننا حينما يستمعون إلى مثل هذه النماذج الفريدة من أخلاق الحبيب يقول: يا سلام، كان يا مكان، على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، قد استمعنا إلى قصة عنترة بن شداد أو إلى قصة الزير سالم أو إلى قصة أبي زيد الهلالي، وكأننا لسنا ملزمين بأن نحول هذه الأخلاق الراقية الرائعة في حياتنا إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة.
حبر من أحبار اليهود، أي: عالم من علمائهم اسمه زيد بن سعنة، روى قوله الطبراني بسند رجاله ثقات، ذكر هذا الرجل أنهم يعرفون أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، ويعرفون صفته؛ لأن التوراة بشرت برسول الله وذكرت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله جل وعلا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146] ، وكذا ذكر عبد الله بن سلام، حبر اليهود الأعظم، الذي أسلم حينما وصل النبي من مكة إلى المدينة مهاجراً، يقول عبد الله بن سلام: (فلما نظرت إلى وجه النبي عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب) ، وسأل النبي عليه الصلاة والسلام أسئلة غيبية -والحديث في الصحيحين- قال: (إن أجبتني عنها؛ عرفت أنك نبي؛ لأنه لا يعرف الجواب عنها إلا نبي، قال: سل! قال: ما هو أول طعام لأهل الجنة؟ وما هي أول علامات الساعة؟ ومتى ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ -يعني: متى يكون المولود ذكراً، ومتى يكون المولود أنثى؟ - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن سلام: لقد أخبرني بالجواب جبريل آنفاً، أما أول طعام لأهل الجنة: فزيادة كبد الحوت، وأما أول علامات الساعة فنار تخرج من المشرق؛ لتطرد الناس إلى محشرهم، ثم ذكر متى ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه) ؛ وهذه المعلومة الأخيرة لم يعرفها العلم الحديث إلا في السنوات الماضية، وقد أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل مئات السنين عليه الصلاة والسلام، وصدق ربي إذ يقول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:3-5] ، قال في الحديث: (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان ذكراً بإذن الله، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل كانت أنثى بإذن الله) ، وفي لفظٍ: (إذا علا ماء الرجل ماء المرأة؛ أذكرا بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل؛ آنثا بإذن الله)، فقال عبد الله بن سلام: (والله إني لأقر لمحمدٍ بالنبوة أكثر مما أقر لابني بالبنوة) ، عبارة عالية جداً: (والله إني لأقر لمحمد بالنبوة أكثر مما أقر لابني بالبنوة) ؛ لأن الذي شهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو الله جل وعلا، وهو أصدق القائلين: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] ، لا أحد.

أعظم خدمة للإسلام هي العمل بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام.
عباد الله: في هذا الوقت نرى الصراع بين الإسلام والغرب، وقد عرفنا أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ما أكثر الذين هجروا خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، وهجروا الغاية التي من أجلها بعث، فيجب علينا إذا كنا نريد أن نقول للعالم شيئاً، وننشر الإسلام، ونظهر صورة الإسلام على حقيقتها؛ أن نتمثل أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن ننشرها، عبد الله فأنا دائماً أقول لأصحابي: إن أعظم خدمةٍ نقدمها اليوم للإسلام؛ هي أن نشهد للإسلام على أرض الواقع شهادة عمليةً بأخلاقنا وسلوكنا، بعدما شهدنا له جميعاً بألسنتنا شهادة قولية، فيجب علينا -أيها الأفاضل- أن نرجع إلى خلق الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ لنحوله في حياتنا إلى واقع عملي، ومنهج حياة.

فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
ولو أن كل إنسان ألزم نفسه باحتذاء نبيه والاقتداء به، والعمل بأوامر دينه الذي شرعه الله لنا لما وصلنا إلى مانحن عليه الآن من تقاعس وتخاذل أفضى بنا وبأمتنا الإسلامية إلى التضعضع والتفرق والانقسام، حتى أننا أصبحتا نخاف من مستقبل الأيام، وماذا سيحل بنا؟ وما الذي ستؤول إليه أحوالنا؟ فيا رب لطفك ورحمتك!،، أصبحنا أضحوكة لغيرنا، ومثارا للتهكم والهزء من قبل أعدائنا وأعداء ديننا الذين هم من سيفرح ويسر عندما يرانا على هذه الحال، ولعل ما فعله أعداء ملتنا من الجرأة على سب لحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم لهو من أسباب تخاذلنا عن ديننا وغفلتنا عن سيرته ومنهجه صلى الله عليه وسلم، وسيظل الكثير يتكلم في شخصية نبينا -صلى الله عليه وسلم- كلامًا يظهر لنا الغل الدفين والحقد المبطن منذ سنين، ويبقى الحل كيف نواجه تلك الأخطار، ونتصدى لها ونحن مكبلون حسيا ومعنويا؟ عبد الله إن الدفاع عن ديننا وعن نبينا صلى الله عليه وسلم يتطلب منا مراجعة الكثير من حساباتنا ثم التصدي للخطر، فسلاح المؤمن الفتاك هو الدعاء، وأعظم وأنعم بهذا السلاح الذي يتوفر لكل شخص كبيرا كان أو صغيرا، رجلا أو امرأة، ثم إن هذا السلاح تزداد قوته بقوة مالكه، ويقوى مفعوله بقوة إيمانه واحتسابه، وما أعظم سهام الليل التي تصيب ولن تخيب إن شاء الله، فعليكم بكل من أراد الإسلام أو المصطفى صلى الله عليه وسلم بأذى، أحرقوه بتلك السهام، ثم إذا كان حبيبنا صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا وسراجنا المنير دائما وأبدا فإننا بلا أدنى شك سنؤثر على غيرنا ونصبح قدوة له، وما أكثر القصص والأخبار التي أسلم أصحابها نتيجة تأثرهم وإعجابهم بهذا الإسلام وبشخصياته المؤثرة وأبرزها وأعظمها شخصيته صلى الله عليه وسلم، كما أنصح أخواني وأخواتي ممن يجيدون الاتصال مع الآخر والتواصل الفكري والديني معه ألا يبخلوا على دينهم ونبيهم بالذود عنه، والتعريف الصحيح به، كما يجب أن نشيد بتلك الثورة التي ثارها كل مسلم ومسلمة غيور على دينه، وهي نصرة النبي صلى الله عليه وسلم بأي وسيلة كانت، وهذه الثورة في محلها، وهي ردة فعل طبيعية، إلا أننا لا نريد لها الخمود والجمود بل نريد أن نذكيها بلهيب شوقنا وحبنا لنبينا صلى الله عليه وسلم، وديننا ورسولنا الكريم كل منهما محفوظ بحفظ الله تعالى إلى يوم الدين , إلا أن ذلك قد يكون من الابتلاء الذي قدره الله لنا؛ ليرى هل نحن واعون أم غافلون، وصلى الله وبارك على خير من وطئ الثرى وعلى آله وصحبه وسلم.
د.محمد خليف (ابوعبدالرحمن)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.