Our Blog

الدرس السادس من سلسله أمهات المؤمنين

سلسله زوجات المؤمنين
الدرس السادس من سلسله أمهات المؤمنين(أم سلمة)
=======================
هند بنت أبي أمية   أم سلمة
(28 ق. هـ- 62 هـ) (596 م- 681 م)
هي هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية   بن المغيرة  القرشية المخزومية أم سلمة  تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أربع للهجرة الشريفة  وكانت رضي الله عنها من أكمل النساء فهما، وأرجحهن عقلا، وأتمهن مشورة، وأطيبهن خلقا، وقد أسلمت مبكرا مع زوجها الأول  أبي سلمة بن عبد الأسد بن المغيرة  إلى الحبشة  وولدت له ابنه سلمة  ثم رجعا إلى مكة، ثم هاجرا بعد ذلك إلى المدينة  فولدت له بنتين وابنا. ثم مات أبو سلمة في المدينة من جراء جرح أصيب به  ثم خطبها أبو بكر  رضي الله عنه، فلم تتزوجه  ولما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم قالت له ما مؤداه: مثلي لا تصلح للزواج  فإني تجاوزت السن  فلا يولد لي وأنا امرأة غيور  وعندي أطفال. فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم قائلا:
أما السن  فأنا أكبر منك  وأما الغيرة فيذهبها الله  وأما العيال فإلى الله ورسوله  ثم تزوجها وبنى عليها  وحازت شرف خدمة بيت النبوة حيث صارت أما للمؤمنين.
وكان من موفور عقلها ما تضرب به الأمثال من الحصافة والحكمة والتدبير والاستبصار في الأمور وتقدير عواقبها.
واختلف المؤرخون في سنة وفاتها  وقد روت ثمانية وسبعين وثلاثمائة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  وكانت وفاتها بالمدينة رضي الله عنها وأرضاها.
لقد كانت أم سلمة بدخولها البيت النبوي أثارت زوبعة وعاصفة عاتية من حيث إنها كانت من أشراف قريش  وكان أبوها معروفا بزاد الركب؛ لأنه كان إذا سافر يحمل زادا لكل من يرافقه ...
أما من جهة أمها فكانت حسيبة نسيبة  فأمها هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية ...
ونظرا لتفرد أم سلمة بأشياء مخصوصة مقصورة عليها تميزت بها كان هذا التفرد والتميز جالبا لكثير من الاضطرابات النفسية والبدهية عند الضرائر.
لقد اجتمع في تكوينها الجمال الساحر الخلوب، والعقل الراجح الرزين، والحلم والوقار، والسكينة ...
وفوق هذا كله فقد كانت من السابقين إلى الإسلام لأنها من أصحاب الهجرتين  هي وزوجها الصحابي الجليل أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم  وابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو أيضا أخوه من الرضاعة ... فقد أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب.
ولما كان الرحيل وشيكا لعبد الله أبي سلمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا إلى جواره يدعو له وهو يحتضر ويعالج خلجات الروح وسكرات الموت.
ورد في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون  .
قلت: فلما مات أبو سلمة  أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله  إن أبا سلمة قد مات  فقال: قولي: اللهم اغفر لي وله  وأعقبني منه عقبى حسنة  قالت: فقلت  فأعقبني الله من هو خير منه  رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين  وأخلفه في عقبه في الغابرين  واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه  .
لقد كان شرفا عظيما  وخيرا عميما لأبي سلمة المجاهد الصابر، المكافح المحتسب- أن يجلس إلى جواره في فراش موته رسول الله صلى الله عليه وسلم  يدعو له بالخير حتى فاضت روحه إلى بارئها، فأسبل صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة عينيه، وكبّر عليه تسع تكبيرات.
قيل: يا رسول الله، أسهوت أم نسيت؟
فقال:  لم أسه ولم أنس، ولو كبّرت على أبي سلمة ألفا، كان أهلا لذاك .
قرر هذا ابن حجر في الإصابة  والطبري في تاريخه. ولما مات أبو سلمة استرجعت أم سلمة  وفوضت أمرها لله سبحانه وتعالى  فكانت تقول:إنا لله وإنا اليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وعوضني خيرا منها  .
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد أن أبا سلمة دعا لها قبل موته:  اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني  لا يحزنها ولا يؤذيها. فلما مات أبو سلمة قلت: من هذا الذي هو خير من أبي سلمة؟  .
وذكر صاحب الاستيعاب أن أبا سلمة دعا عند وفاته:  اللهم أخلفني في أهلي بخير  فأخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجته أم سلمة؛ فصارت وأصبحت أما للمؤمنين.
وليس هناك أشرف ولا أكرم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون خيرا من أبي سلمة ...
وليس هناك أوفى وأبر وأكرم منه عليه الصلاة والسلام.
لقد بنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت زينب بنت خزيمة، بعد أن توفيت، وتصف لنا أم المؤمنين أم سلمة غرفة زينب بقولها على ما ورد في  الطبقات الكبرى   لابن سعد: « ... فإذا جرة هناك، فاطلعت ... فإذا فيها شيء من شعير، وإذا رحى وبرمة وقدر نظرت فإذا فيها كعب من إهالة (شحم) فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصرته في البرمة  وأخذت الكعب من الإهالة فأدمته به، فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه  .
حاولت عائشة وحفصة بادي الرأي وفي أول الأمر التكلف واصطناع شيء من الرضا بالتلطف ...
لكن يبدو أن هذا الأسلوب لم يكن مكتوبا له الاستمرار فسرعان ما زايلهما  ثم ظهرت مخايل وسمات وأمارات الغيرة
وورد في طبقات ابن سعد اعتراف عائشة رضي الله عنها بقولها:
... ولكني كنت غيرى ..
ومن عجب أن أم سلمة بحصافتها وزكانتها وتجربتها في الحياة كانت سعيدة في قرارة نفسها لما يعتور ويكانف كلا عائشة وحفصة من غيرة شديدة منها ... لكن بدت بكبريائها حكيمة واعية وقور لا يفت في ساعدها، ولا يوهن من عزمها، ولا يستفز في طويتها مشاعر الحدة أو الغضب أو الاستنفار ...
وفي الطبري   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا بني قريظة في السنة الخامسة للهجرة وحاصرهم جهدهم الحصار  فبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم أبا لبابة بن عبد المنذر ليستشيروه في الأمر، فرق اليهم أبو لبابة، فلما سألوه: أننزل على حكم محمد؟ أجابهم:  نعم، انه الذبح  وأشار بيده الى حلقه. فما زايل موضعه ولا برح مكانه  حتى شعر  بالإثم والحرج والحوب  وخيانة الله ورسوله  وسرعان ما ذهب الى عمود من عمد المسجد، ثم قال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت.
وعاهد الله: ألاأطأ بني قريظة أبدا، ولا آوي في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا.
وقد ظل مربوطا بالجذع ست ليال، تأتيه امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة، ثم يعود فيرتبط بالجذع....
فلما استراثه واستبطأه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف جلية الأمر قال عليه الصلاة والسلام:  أما أنه لو جاءني لاستغفرت له. فأما وقد فعل (إذ فعل) ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه  .
ولقد نزلت توبة الله تعالى على أبي لبابة من السحر وهو في بيت أم سلمة، إذ نزل عليه قوله تعالى:َوآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ   .
فقامت  بعد أن استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم  على باب حجرتها، قبل أن يضرب الحجاب على أمهات المؤمنين، فقالت أم سلمة رضي الله عنها:يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك  فلما ثار الناس ليطلقوه أبى  وقال: والله إلا يطلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مرّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج لصلاة الصبح أطلقه 
وكانت رضي الله عنها تؤثر حياة الظل والهدوء  طلبا للدعة والسلامة ... فلما كان من أمر النزاع المشهور بين علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، كانت متعاطفة مع علي الذي قدمت له ولدها ليشهد مشاهده. وذلك لاطمئنانها وثقتها بأن الحق مع علي، ومع رجاله.
ثم إن أم سلمة لما علمت بخروج السيدة عائشة رضي الله عنها إلى موقعة الجمل مع معاوية، وأنها تتزعم ثورة ضد علي أرسلت إليها برسالة تقول فيها:
أي خروج هذا الذي تخرجين؟ ... الله من وراء هذه الأمة!! .. لو سرت سيرك هذا ثم قيل لي: ادخلي الفردوس، لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة حجابا قد ضربه علي  . أه.
كانت صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الكعبة معتمرا سنة ست للهجرة   كما صحبته صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر وفي فتح مكة، وفي غزوة هوازن وثقيف وحصار الطائف ثم في حجة الوداع أيضا.
ثم تقدم بها العمر  وتوالت عليها السنون وهي تبتلى ابتلاء الأولياء الصابرين المحتسبين  فبعد ما حدث من المواجهات الدامية بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، اكتوت بنار الجريمة الكبرى، والمصيبة النكراء بمقتل الإمام الحسين رضي الله عنه بكربلاء  وبعد ذلك بفترة قليلة انطوى السجل الطيب الحافل بكل المناقب الحسنة المذكورة، وصعدت الروح إلى بارئها تحفها ملائكة الأرض والسماء إلى أعلى عليين. فرضي الله عنها وأرضاها وسلام على الصادقين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.